حضارات وادي الرافدين
كلية الاثار جامعة الكوفة
عصر فجر السلالات (العصر السومري القديم)
بدأ عصر فجر السلالات في العراق في حوالي سنة 2800 ق .م. واستمر لمدة ستة قرون والذي يعرف أيضا بالعصر السومري القديم أو بعصر دويلات المدن حيث لم تتوحد البلاد بعد تحت مملكة كبيرة واحدة. ويقسم العلماء هذه الحقبة الزمنية من تاريخ العراق إلى ثلاثة عصور هي على التوالي:
فجر السلالات الأول ( 2800 –2700) ق.م )
فجر السلالات الثاني (2700 -2600) ق.م )
فجر السلالات الثالث (2600 – 2400) ق.م )
من الأمور المتفق عليها بين غالبية العلماء المختصين في العصر الحاضر أن السومريين هم سكان العراق الأصليون، وأنهم الذين كانوا يعرفون بأصحاب حضارة العبيد في وسط وجنوب العراق وكانت أراضيهم تمتد جنوبا إلى جزيرة دلمون (البحرين) في العصر الحاضر قبل أن ترتفع مناسيب الخليج العربي ليصل إلى حدوده الحالية . ولغة السومريين, وهم أصحاب أقدم حضارة أصيلة متطوّرة في العالم, من اللغات التي تعرف بالملتصقة Agglutinative. من خصائص الإلصاق فيها أنه كثيرا ما يدمج مفردتينن لتصبحا كلمة واحدة يستند معناها إلى معاني الكلمات الداخلة في تركيبها, مثل (لوكال) أي الملك المكونة من (لو) أي الرجل و (كال) أي العظيم, و (إي-كال) تعني القصر أو الهيكل مكونة من كلمة (إي) وهي البيت و(كال) العظيم. ثم أن الجمل فيها تتألف أيضا بطريقة إلصاق الضمائر والأدوات إلى جذر الفعل بحيث يصير الجميع كلمة واحدة.
لقد قسم علماء الآثار عصر فجر السلالات إلى ثلاثة أطوار: الأول ( 2800 –2700 ق.م.) والثاني (2700 02600 ق.م.) والثالث
2600 – 2400 ق.م.). إن لكل من هذه الأطوار الثلاثة خصائصها المميزة. ومع ذلك يمكن القول عموما بأن فن العمارة قد قطع شأوا بعيدا في هذا العصر وبخاصة في بناء القصور والمعابد فظهرت العقود لأول مرة في البناء وكذلك القبوات كوسيلة في التسقيف. وتقدم فن التعدين وسبك المعادن, وقطع فن النحت شأوا بعيدا من التقدم لقد نضجت الكتابة وانتشر استعمالها في العصر السومري فدونت بها في عصر فجر السلالات السجلات الرسمية وأعمال الملوك والأمراء وعلاقتهم بغيرهم من الحكام. وكذلك شؤون الناس العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير فضلا عن الشؤون الدينية والعبادات
(1) المعابد:
تبنى معابد هذا العصر اما قرب الزقرة فتكون مبعدا ارضيا تابعا للزقورة، او تبني في مكان خاص بعيد عن الزقورة فتكون معبدا مستقلا يكرس لعبادة اله من الالهة او ملك من الملوك المؤلهين، وكانت تشيد من اللبن باستخدام القير كمادة رابطة في البناء، وتتميز معابد هذا العصر باشكال منتظمة واضحة التفاصيل تكون مربعة او مستطيلة في اغلب الاحيان يحيط بكل منها سور ضخم تتجه اضلاعه نحو الجهات الاربع. ومزين من الخارج بعدد من الطلعات والدخلات، ويتالف الجزء الداخلي للمعبد من ساحة مكشوفة صغيرة يحيط بها من ثلاثة جوانب صف او صفان من الغرف المسقفة التي استخدمت لسكن الكهنة وخزن نذور المعبد وهداياه. اما الجانب الرابع للساحة، والمقابل للمدخل من الجهة البعيدة، فقد شغل بغرفتين مستطيلتين الشكل صممتا بوضع عرضي يتم الدخول من احداها الى الاخرى وتدعى اولاهما (Ante Cella) وهي غرفة تهيئ للدخول الى الغرفة الثانية التي تضم تمثال الاله (Cella). ولذلك فان معابد هذه الفترة تنتمي الى المعابد ذات المحور الصحيح (Main Axes) أي انه يمكن ان يشاهد تمثال الاله فيها من مدخل المعبد مباشرة، ومن اشهر هذه المعابد معبد الاله (سن) في مدينة اور.
(2):-القصور:
بني ملوك هذا العصر(عصر الانبعاث) قصورا لهم لم تكن بفكرتها وصفاتها المعمارية تعبيرا عن مفهوم الملكية والفكر الامبراطوري كما كانت القصور الاكدية، ذلك أن ملوك هذا العصر كانوا يفضلون القرب من الالهة واحلال الخير في البلاد على غيرها من الافكار. فكانت قصورهم بفكرتها الخاصة عبارة عن مباني ادارية بسيطة، تتميز باشكال منتظمة منسجمة الاجزاء تحتل مساحة صغيرة من الارض ولها اشكال نظامية، مستطيلة او مربعة يقوم تخطيطها المعماري على ذلك النظام المعماري الموروث من العصور السابقة، اذ انها تتالف من عدد من الساحات المكشوفة يحيط بكل منها ومن اربع الجهات عدد من الغرف المسقفة والمرات التي رصفت ارضياتها بالطابوق وقد تم جمعها الى بعض بنظام خاص لتؤلف مبنى معقدا متعدد المرافق، وتحيط بها اسوار ضعيفة لانهما اعدت اساساً لاستقبالات الملك لجماهير الناس .
بقلم
الدكتورة منى عبد الكريم القيسي
………………………….
تاريخ العراق القديم/ عصر فجر التاريخ والعصر السومري
الكلية كلية التربية الاساسية القسم قسم التاريخ المرحلة 1
أستاذ المادة قيس حاتم هاني الجنابي 04/12/2017 14:39:02
عصر فجر التاريخ (الشبيه بالكتابي):
يشغل هذا العصر المدة من3500 – 2800 ق.م، وهو يمثل الطبقتين الرابعة والخامسة من آثار (الوركاء) وآثار (جمدة نصر) تل النصر الذي يقع شمال شرق (كيش)، بدأت المدن تظهر بشكل واضح في هذه العصر، وظهرت المعابد التي شيدت على مصاطب اصطناعية (الزقورات)، وهذا ما ميز حضارة بلاد ما بين النهرين عن غيرها، وبنيت هذه المعابد من قطع اللبن المربعة، لاسيما معبد الآلهة (أنانا = عشتار) والإله (آنو) والمعبد الأبيض في موقع الوركاء، ومعبد الآلهة (أنانا = عشتار) في نفر، وأهم مميزات هذا العصر هو اختراع الكتابة لأول مرة في تاريخ الحضارة من قبل السومريين الذين سكنوا القسم الجنوبي من وادي الرافدين، وقد دعت حاجة المعبد في تنظيم إيراداته إلى اكتشاف الكتابة، ثم أخذ التدوين يشمل كل مناحي الحياة، إذ تراوحت النصوص السومرية المسمارية بين الوثائق الإدارية والنصوص الملكية والإنجازات الأدبية كالتراتيل والتعاويذ والابتهالات، والشرائع والأساطير، وكانت الكتابة صورية في بداياتها، إذ عثر في الطبقة الرابعة من موقع الوركاء على كتابات على شكل صور سميت بـ(الكتابات الصورية)، لأن الإنسان كان يرسم صورة الشيء الذي يريد أن يعبر عنه، ثم أخذ يختصر رموز هذه الأشياء إلى رموز أبسط، ثم عبر عن صور الأشياء التي يريد أن يكتبها بخطوط أفقية وعمودية ذات رؤوس تشبه المسامير فعرفت باسم الكتابة المسمارية، واستخدم السومريون ومن جاء من بعدهم في وادي الرافدين ألواح من الطين وأقلاماً مثلثة الرأس من القصب في الكتابة، والكتابة من أهم المكتشفات الحضارية في تاريخ البشرية لأنها حفظت التراث العالمي ولأنها فتحت المجال الأوسع والأرحب في الإبداع الفكري وفي تدوين تاريخ الإنسانية، واقتصرت الكتابات في بداياتها على تدوين شؤون المعابد ولم يكتب بها نصوص تاريخية، ومع انتشار الكتابة بدأ تدوين كل ما يخص الشؤون اليومية المختلفة التي تهم الإنسان، كتدوين عقود البيع والشراء، وفي تدوين الوثائق والمكاتبات الرسمية للدولة والمكاتبات الشخصية، والقوانين والعلوم والآداب، وتميز هذا العصر أيضاً بظهور الأختام الاسطوانية لأول مرة التي استخدمت إلى آخر عصور تاريخ ما بين النهرين القديم، وعثر على الأختام الاسطوانية في مناطق مختلفة في الشرق الأدنى القديم لاسيما مصر، واستعمل في هذا العصر دولاب الفخار السريع في صناعة الفخار الذي لون بعدة ألوان، وتقدم فن التعدين وانتشر استعمال المعادن، وتقدم فن النحت أيضاً إذ صنعت قطع فنية من النحت البارز والمجسم في الحجر، ومن أبرز هذه المنحوتات مسلة صيد الأسود والإناء النذري ورأس المرأة المنحوت من المرمر، كما زينت الجدران بزخارف مؤلفة من مخاريط طينية ملونة الرؤوس.
عصر فجر السلالات (العصر السومري):
ينتهي عصر فجر التأريخ مع بدأ السلالات الحاكمة فيما يسمى بـ(عصر فجر السلالات) أو (العصر السومري)، ويمتد عصر فجر السلالات للفترة من 2800 – 2370ق.م، حيث ظهرت أولى السلالات السومرية التي شكلت أنظمة سياسية في كل مدينة من مدن سومر عرفت باسم (دويلات المدن السومرية)، حيث توسعت المدن إلى مدن كبرى، وبرزت فيها سلالات حكمت هذه المدن، وأصبحت كل مدينة وحدة سياسية مستقلة بذاتها، وحكم هذه المدن في أدوارها الأولى كاهن المعبد (اين) الذي جمع ما بين السلطتين الدينية والدنيوية، ثم وبعد اتساع المجتمع وتطوره وتطور نظام الحرب انفصلت السلطتين، فأصبح حاكم دولة المدينة يلقب بلقب (انسي) أي (حاكم)، وكانت الكثير من هذه الدويلات متعاصرة، ويغلب عليها التنافس والنزاع من أجل التوسع أو السيطرة على المياه أو السيطرة على التجارة والطرق التجارية، وتنشأ أحياناً نتيجة توسع دويلة على دويلة أخرى مملكة أكبر يلقب حاكمها بـ(لوكال) أي (الملك) أو (الرجل العظيم)، وكان (لوكال زاكيزي) أول ملوك سومر.
أما تسمية (سومر) (كي ان جي) فهي على الأرجح اسم يطلق على جنوب العراق، وقد سمي سكان هذا القسم بالسومريين نسبة له، والسومريون يعدون من أقدم الشعوب العريقة التي استطاعت وضع لبنات الحضارة الأولى في تاريخ الإنسانية عموماً، وفي تاريخ جنوب بلاد ما بين النهرين بصورة خاصة، وأول ذكر للسومريين وبلاد سومر ورد في اللقب المزدوج للملوك والحكام، وأقدمها لقب الملك (اوتو حيكال) إذ جاء على هيئة: (لوكال كي ان جي كي اوري) أي (ملك سومر وأكد)، واستمر استعمال هذا اللقب في كل عهود العراق.
اختلف الباحثون في أصل السومريين فيما إذا كانوا من بلاد ما بين النهرين أم أنهم هاجروا من مناطق أخرى، والرأي الأرجح هو أن السومريين هم سكان بلاد ما بين النهرين الأوائل، وربما يكونوا قد انتقلوا من مناطق شمال بلاد ما بين النهرين إلى الجنوب بعد أن أصبحت الظروف ملائمة للعيش في الجنوب، واستوطنوا منطقة تبدأ من مدينة الديوانية إلى أقصى جنوب بلاد ما بين النهرين، ويجاورهم في شمال هذه المنطقة الأكديون الذين ينتمون إلى القبائل الجزرية التي نزحت من شبه جزيرة العرب واستوطنت بلاد ما بين النهرين في وقت مبكر جداً، غير أننا لا نجد فرقاً عرقياً بين السومريين والأكديين وغيرهم من الأقوام الأخرى ممن سكن بلاد ما بين النهرين إلا من حيث اللغة، فاللغة السومرية لا تنتمي إلى أي من مجاميع اللغات المعروفة كمجموعة اللغات الهندو-أوربية أو مجموعة اللغات الجزرية (السامية)، فهي تشكل مجموعة مستقلة بحد ذاتها، وعدت اللغة السومرية من ضمن اللغات اللصيقة، حيث تجمع الأسماء والصفات أو الأفعال لتكون أسماء أو مصطلحات جديدة، مثلاً: (لوكال) تعني (الملك) تتألف من (لو = رجل) و(كال = عظيم)، و(آن كي) تعني (الكون) وتتألف من (آن = السماء) و(كي = الأرض)، و(اي كال) القصر وتتألف من (اي = البيت) و(كال = عظيم)، و(دب سار) تعني (كاتب) تتألف من (دب = لوح طيني) و(سار = كَتَبَ)، وهكذا، في حين أن اللغة الأكدية تنتمي إلى مجموعة اللغات الجزرية، وسكان بلاد ما بين النهرين ينتمون إلى خليط من عرق البحر المتوسط الذي يتميز بجمجمته الطويلة، ومن عرق أوربا الوسطى وبلاد أرمينيا الذي يتميز بجمجمته المستديرة، فضلاً عن أن المكتشفات الأثرية في المدن السومرية أثبتت أن السومريين والأكديين مارسوا جميعاً أنظمة سياسية وأعراف وعادات وتقاليد اجتماعية متشابهة، وهذا ما يشير إلى كونهم جزء من حضارة نشأت وازدهرت في القسم الجنوبي من بلاد ما بين النهرين، ويقصد بالسومريين الأقوام التي تكلمت اللغة السومرية، والأكديين الأقوام التي تكلمت اللغة الأكدية، ويميز الباحثون منحوتات السومريين عن غيرهم من خلال بعض المظاهر الجسدية كحلق الرؤوس وحلق الشوارب وإطلاق اللحى وشكل الأنف، وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الهيئات تشير إلى طبقة الشخص الدينية أو السياسية أو الاجتماعية.
تعد الكتابات التي تركها أمراء هذه السلالات وجداول الملوك السومريين والنصوص الأدبية التي تركها السومريين أهم مصادر معلوماتنا عن السومريين، إذ تذكر جداول الملوك السومريين أن الملوكية نزلت من السماء لأول مرة في مدينة (أريدو) (تقع بالقرب من أور في محافظة ذي قار)، ثم جاء الطوفان العظيم الذي غمر الأرض ومن عليها باستثناء رجل الطوفان الذي يسميه النص السومري (زيوسدرا) وفي النص البابلي (أوتنابشتم).
ويعطي كتبة جداول الملوك السومريين أسماء ثمانية ملوك حكموا بلاد سومر قبل الطوفان بفترات حكم خيالية، إذ تصل مدت حكمهم إلى (241200سنة)، مما يشير إلى جهل هؤلاء الكتبة بأسماء باقي الملوك الذين حكموا قبل الطوفان، لذا اضطروا إلى تطويل سنوات حكم هؤلاء الملوك الثمانية ليغطوا الحقبة الزمنية السحيقة التي سبقت الطوفان، وربما كان وراء ذلك فكرة كانت شائعة بين الأمم القديمة مفادها أن الإنسان في قديم الزمان كان يعمر طويلا ويتمتع بصفات جسدية خارقة، كما تشير هذه الجداول إلى أن الآلهة تحكم البشر وإنها فوضت الملوك للحكم بدلاً عنها، وتشير هذه الجداول أيضاً إلى أن كل مدينة كان لها جيشها الخاص، المجهز بالعربات ذات العجلات الصلدة والتي تجرها الحمير الوحشية، والمسلح بالرمح والسيف المقوس نوعاً ما أو على شكل ورقة شجر، كما جهز الجنود بالدروع والخوذ المعدنية.
ودويلات المدن السومرية شيدت بالقرب من الأنهار الرئيسة أو فروعها، وهذه الدويلات كثيرة ومتقاربة، وعدد نفوسها كبير نسبياً، ومحاطة بأسوار، والمدينة الكبيرة تسمى باللغة السومرية (اورو)، وبالأكدية (آلو)، وتتكون المدينة من ثلاث أقسام: القسم الأول يكون داخل السور، وفيه قصور الحكام والمعابد الرئيسة وبيوت أصحاب الحرف، القسم الثاني (كار بار را) يكون قرب السور وفيه مساكن الفلاحين وحظائر الماشية والمعبد المخصص لاحتفالات رأس السنة، والقسم الثالث (كار) ويعني الميناء وفيه ميناء المدينة ومركزها التجاري ومستودعات البضائع وخانات لإيواء التجار، وكان اقتصادهم يقوم على الزراعة وتربية المواشي والتجارة.
الحياة الدينية عند السومريين:
وتميزت ديانة بلاد ما بين النهرين بأنها كانت متعددة الآلهة أي إنهم كانوا مشركين، كما اتصفت هذه الآلهة بصفات تشبه البشر في النواحي المادية والمعنوية (التشبيه)، وقد تفوقت على البشر بالخلود والقدرة المطلقة، وتعددت المعابد التي كانت تقيم فيها الآلهة، وهو مظهر من مظاهر التشبيه بالبشر، وأصبح في كل مدينة أكثر من معبد لعدد من الآلهة، وقد بدأ العراقيون القدماء عبادة الظواهر الطبيعية التي كان لها تأثير في حياتهم كـ(الشمس والقمر والماء والهواء والزوابع والخصب)، وخصصوا لكل مظهر من هذه المظاهر إله خاص، كما خصصوا آلهة لشؤون حياتهم اليومية كـ(الطب والحكمة والمعرف)، وقد تطورت العقيدة الدينية عند سكان ما بين النهرين حيث جعلوا لكل إله مدينة زوجة خصوها مثله بالعبادة، ويقام احتفال (الزواج المقدس)، اعتقاداً منهم بان ذلك الزواج الإلهي سيحقق زيادة في العطاء والخيرات وفي مظاهر الطبيعة، وهناك آلهة رئيسة عبدت في جميع المدن، وآلهة خاصة بكل مدينة تكون حامية لها، ومن الآلهة الرئيسة العليا الإله (آنو) إله السماء وكان يرمز له بالقرون، والآلهة (كي) آلهة الأرض، وكانت السماء في نظرهم ذكراً والأرض أنثى، لهذا كانوا يصورون الإله (آنو) والآلهة (كي) متلاصقين معا، وابنهما الإله (انليل) إله الهواء والعواصف واسمه يعني (سيد النسيم الذي يفصل السماء عن الأرض)، وفي عهد الملك حمورابي احتل الإله (مردوخ) مكانه، وإله الماء والحكمة (انكي) و(أيا)، وآلهة الكتابة والقلم (ندابا)، ومن الآلهة الخاصة بالمدن الإلهة (اينانا) آلهة الحب والخصب والتكاثر عند أهل الوركاء، واسمها فيما بعد (عشتار) عند البابليين، والآلهة (ننكرسو) أو(ايننو) كان الإله الحامي لمدينة (لكش)، حيث كان إله كل مدينة حارسها وحاميها وحاكمها وهو ينيب عنه في الحكم حاكم المدينة أو ملكها، وكان للمعابد الكثير من الأملاك والكثير من الخدم الذين كانوا يعملون في أراضي المعبد الشاسعة التي تصل إلى ربع أو نصف أراضي مدينة الدولة.
(كيش):
من أوائل المدن السومرية، وبقايا (كيش) حاليا في تل الأحيمر بالقرب من بابل، وتذكر جداول الملوك أن الملوكية نزلت مرة ثانية بعد الطوفان في مدينة (كيش)، وكان لملوك مدينة (كيش) دور بارز في عصر فجر السلالات، إذ يرجح نجاحهم في توحيد البلاد خلال القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد، وتشير بعض أسماء ملوك (كيش) مثل (كلبم ـ كلب، قلومم ـ حمل ، زقاقيم ـ عقرب) إلى أصول جزرية لهؤلاء الملوك، الأمر الذي يعني استقرار القبائل الجزرية في بلاد ما بين النهرين في أزمان قديمة سبقت السلالة الأكدية، وتمتعت مدينة (كيش) بشهرة واسعة في بلاد سومر مما دفع بعض ملوك سومر إلى التسمي باسم ملك كيش على الرغم من كونهم ليسوا من ملوك هذه السلالة، ويشير أحد النصوص السومرية إلى أن الملك (ايتانا) وهو الملك الثالث عشر في سلالة (كيش)، صعد إلى السماء ووحد جميع البلاد، وهناك أسطورة بابلية تذكر كيف أن هذا الملك صعد إلى السماء على ظهر نسر من أجل أن يحصل على نبات النسل لأنه كان عقيماً.
(الوركاء) (أوروك):
وهي من السلالات السومرية الشهيرة، تقع في محافظة ذي قار وتبعد عن مدينة أور 36كم، اخترعت بها الكتابة بالخط المسماري، كانت موئلاً لعبادة الإله (أنو)، وأبرز ملوكها هو الملك الخامس (كلكامش) الذي حكم في حدود (2700ق.م)، وقد خلدت مآثره البطولية في عدة قصص سومرية وفي ملحمة بابلية تعد الأشهر بين ملاحم التأريخ القديم، عرفت باسم (ملحمة كلكامش)، وتحتوي هذه الملحمة على المآثر البطولية للملك (كلكامش) وصديقه (أنكيدو)، وفشل (كلكامش) في الحصول على الخلود بعد موت صديقه (أنكيدو)، ويتوصل إلى أن الخلود يمكن أن يحقق بترك أعمال ومآثر يمكن أن تخلد، وفقدت (الوركاء) أهميتها بعد ظهور دولة أور.
(أور):
إحدى دويلات المدن السومرية المهمة، تقع قرب الوركاء في محافظة ذي قار، وعلى بعد 160كم شمالي البصرة، أسسها الملك (ميسانيبدا)، الذي ربما يكون معاصراً لـ(كلكامش)، ويرجح أن يكون حكمه قد امتد ليشمل منطقه واسعة، فقد وصلنا ختم اسطواني يحمل اسمه يتبعه لقب ملك (كيش)، وهذا يدل على دخول مدينة (كيش) إلى نفوذه، فضلاً عن أن الكتابات التي وصلتنا من هذه الحقبة تشير إلى حدوث نزاع مسلح بين (أور) و(كيش) أيام ملكها (اكا)، ويبدو أن (أور) تمكنت في النهاية من التغلب على (كيش) وإخضاعها إلى نفوذها، وعثر في (أور) على 16 مقبرة ملكية شيدت من اللبن، تحتوي على نحو (2500 قبر)، وكان بكل مقبرة بئر وكان الملك الميت يدفن معه جواريه بملابسهن وحليهن بعد قتلهن بالسم عند موته، وكان للمقبرة قبة، مما يدل على أن أصل القبة يعود إلى حضارة بلاد ما بين النهرين، وقد أمدتنا المقبرة الملكية في (أور) بمجموعات فريدة من الآثار الذهبية والنفيسة، ومن بين أهم القبور التي عثر عليها قبر الملكة (شبعاد)، وعثر عليها مع حليها ومصوغاتها.
(لكش):
ظهرت هذه الدويلة في منطقة الغراف بين العمارة والناصرية، ولم يرد ذكرها في جداول الملوك السومرية، لعدم اعتراف كهنة معبد الآلهة (انليل) بها والذي يعد شرطاً لإضفاء الشرعية على حكم أي سلالة سومرية، وقد عثر فيها على الكثير من الوثائق المدونة وعلى آثار فنية ومعابد وقصور، ومن مدن هذه الدولة مدينة (لكش) العاصمة التي سميت الدولة باسمها، وأطلق على هذه المدينة اسم (اورو كوك) أي (المدينة المقدسة)، وهي تقع على بعد 45كم شرقي الشطرة، ومدينة (كرسو)، وهي (تلو) التي تبعد 16كم شرقي الشطرة، وإلهها الرئيس اسمه (ننكرسو) أي (سيد أو إله كرسو)، ومدينة (نسنا) التي تبعد 48كم جنوب شرقي (تلو)، ويعد الملك (اياناتم) من أشهر ملوك (لكش) توسع بنفوذه إلى مناطق واسع في الجنوب والشمال، وربما يكون نفوذه قد وصل إلى بلاد (آشور) وبلاد (عيلام) وإلى أعالي الفرات، وسيطر على مدينة (ماري) (تل الحريري حالياً على الحدود السورية العراقية)، وفي عهد (انتمينا) دخلت هذه الدولة في نزاع مع مدينة (اوما)، وترك (انتمينا) لنا أخبار هذا الصراع في نص تأريخي يعد أقدم نص تأريخي بالمفهوم المتعارف عليه، فقد دون فيه فضلاً عن الأحداث المعاصرة لحكمه، أخبار سبقت زمنه بأربعة أجيال أي (100 عام)، كما تضمن هذا النص نظام التحكيم وأولى المعاهدات والاتفاقات الدولية، ويبدو أن هذا الحاكم كان آخر ملوك (لكش) الأقوياء إذ خلفه ملوك ضعفاء، وتمكن آخر الحكام (اوروانمكينا=اوروكاجينا) الوصول إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، ويرجح أنه كان من الكهنة، وقام بإصلاحات كبيرة جداً لإنصاف الناس لاسيما الفقراء منهم، وجرد الكهنة والحكام من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها على حساب الناس، وأصدر (وثيقة إصلاحية) وردت فيها كلمة الحرية لأول مرة في التأريخ، وقاد (لوكال زاكيزي) حاكم مدينة (اوما) حملة عسكرية قضى بها على (لكش) وحاكمها (اوروانمكينا=اوروكاجينا) الذي دام حكمه 8 سنوات.
(اوما):
تبعد مدينة (اوما) نحو 80كم إلى الشمال من (كرسو)، وهي من الدويلات التي لم ترد سلالاتها في جداول الملوك السومرية، وإلهها الخاص هو (شارا)، ويعد (لوكال زاكيزي) الذي حكم نحو 25 سنة أشهر ملوك (اوما)، وعائلته من طبقة الكهان، إذ كان أبوه كاهن الإله (ندابا)، وقد تمكن هذا الملك من ضم مدينة (لكش) ومدينة (أور) ومدينة (الوركاء) ومدينة (كيش)، أي أنه توسع في الجنوب والشمال وبضمنها منطقة (أكد)، ونتيجة لهذا التوسع الذي وحد به البلاد غير لقبه السياسي من (انسي=حاكم) إلى (لوكال كالما=ملك البلاد)، وبذلك يكون (لوكا زاكيزي) أول ملك أنشأ المملكة الموحدة الكبرى، وتشير النصوص إلى أنه ملك البلاد من (البحر الأسفل إلى البحر الأعلى) مما يدل على أنه أول من أسس إمبراطورية امتدت من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، وكانت نهاية هذا الملك وإمبراطوريته على يد الملك (سرجون الأكدي)، ليبدأ عصر جديدة في تأريخ وحضارة بلاد ما بين النهرين عرف باسم (العصر الأكدي).