2020
كورونا . رقية
مجرد مسودة أولى
(مقطع من عمل سردي في الحب والحياة)
إبداع: د. لطيفة حليم- مونتريال
يرن جرس الدار، تقفل حاسوبها وهي تفكر في – كورونا. أقبت بنتها “آية” مهرولة تستعجلها للخروج والإقامة معها بدارها -هرهورة -، بعد ان اعلن عن الحجر الصحي. وقفل الطرقات .
.. على الطريق السَيّار – تحكي لأمها عن شهر العسل و-كُورُونا.
-تزوج قبل شهر. اتفقا على قضاء شهر العسل بتاريخ 28 فبراير 2020على متن سفينة داخل البحر. صادفتهما -كُورُونا. “جَايْ” و”كَارْمِن” أصغر الرُّكاب سِناً، وأكثراستخداما للتكنولوجيا، يقدمان مساعدات للركاب الذين في سنهم الثالث والرابع، كي لا تصيبهم كآبة الحَجر. يسمعون أمواج البحر ترتطم بجدار السفينة.
. “جَايْ” تأمل لحظة غروب الشمس، التقط بهاتفه الذكي سقوط الشمس وسط المحيط الهادي، ابتسم عن بعد لحبيبته العروس “كارمن”، نسي أنه عالق بداخل السفينة، همّ بتقبيلها، أَحْجَمَ عن ذلك – كُورُونا. لا علم له متى ترسو السفينة، وأي ميناء يقبله برفقة زوجته التي لا يتبادل معها القبل.
تخبرها بنتها أن العالقين وسط البحر في شهر العسل، لا ينحصر في حال “جاي” و “كارمن”، بل توجد حالة “جَاد” و”كَوْثَر” بعد ركوبهما العَمّارِية ركبا البحر، لقضاء شهر العسل بأجمل جزيرة في العالم. الآن هما عالقان في إحدى جزر المَالْدِيف، لأن خطوط الطيران الجوية توقفت بسبب انتشار فيروس -كُورُونَا.
تَمْخُر السفينة عُباب البحر، تصعد أنفاس العروس “كَوْثر” مع ارتفاع الأمواج. تختفي القُبلة وسط البحر. هزّت رأسها هَزّة قوية، سقطت نَظَّارَتُها حين اقترب منها “جَاد” أول مرة بعد ركوب البحر، ابتعدت عن قبلة جَحِيم -كُورُونا، ونظرت إلى الأمواج المرتفعة.
آية تحكي عن “جَايْ” و “كَارْمِن” و “جَاد” و “كَوْثَر” وشهر العسل، والبحر. أمها تقلب الأخبار التي حملتها على شاشة هاتفها الذكي. سمعت صوت بندقية، آتٍ من الضفة الغربية. يوم الثلاثاء من زمن -كُورُوناَ.. قُتل أول جندي صهيوني في الضفة الغربية المحتلة، بحجارة رشقها فلسطيني عشية زيارة وزير الخارجية الأمريكي، الذي جاء لوضع خُطة لضم أجزاءٍ من الضفة، مع مسئولين من الكِيَّان الصهيوني. في هذا اليوم لَفَظَ البحر أحد الركاب في سِنِّه الثالث العالق بالسفينة من جراء وباء -كُورُونَا.
**
تَلِج دار بنتها بِهَرْهُورَة وهي ما زالت تحكي لها عن شهر العسل والبحر و-كُورُونَا. تهمس:
– الحمد لله، أنا لست عالقة بالبحر، أنا عالقة بالماء والصّابون. وأفكر في خُطّة لسرقة اللوحات من دور صديقات أجمل العمر.
دَوَّرَتْ بِالسَّبَابَةِ والإِبْهام الأُنْبُوب، انفتح وانسكب الماء، صَوَّبت عينيها نحو طرف المِغْسَلة رأت قارورة الصّابون، ضغطت عليها بِسَبّابَتِها اليُمْنَى، خرج السائل مُنَسّما بعطر اللّيْمُون، تَعَرَّضَتْ له بِكَفِّ يدها الشِمال، سَلَكَتْ أصابعها الخمسة بين فَراغ الرُّتَقِ، حركت رأس ظَفْر إبهام اليد اليمنى مع بَنان السَبَّابَةِ، وأخرجت ما عَلِق بِرُؤُوسِ الأظفار الخمسة ليد الشِّمال. كرَّرَتْ العملية مُعاكسة على رؤوس أَظْفار اليد اليمنى. ضَمَّتْ اليدين بِمَسْلَكِ أصابع الرُّتَقِ. الخِنْصِر مَرْتَق الخِنصر، والبِنْصِر والوُسْطى والسَبَّابَة كذلك. ظل إِبْهام اليد اليُمنى وخِنْصر الشِمال دُونَ مَرْتَق. انتبهت توجد ثمانية مسالك على رُتَقِ أصابعها العشرة لليدين، مَلأت فَجَوات الرتق بالأصابع متعانقين، ضَمّة واحدة. رفعتها. شَكَّلَت يديها لوحة التضامن رددت:
– أمَّة واحدة.
نظرت في اتجاه معاكس، تشكلت لوحة تضامن على سطح المِرْآة
– أُمة واحدة .
جَدَّدَت رُؤية صورة التضامن عدة مرات بِنَبَاهَة وأناقة وصبر. رؤية الصورة علي المرآة تساعدها على رَتْقِ فجوات التاريخ، مصحوبة بإيقاع نذف الثلج وعطر الأرز وكأنها تسمع – أنشودة الفرح. تفرك يديها بالصّابون وقليل من الماء. تشكل أشكالا لا تُحْصى من البالونات، تختفي البالولات الكبيرات، تظل الصغيرات مَحْمِيَّة من -كُورُونا. لم تستطع استنساخ رسم بالونة في ذاكرتها. انتبهت بحذر ونباهة حتى لا تختفي البالونة الكبيرة، ترى على المرآة صورة:
– أمَّة واحدة.
ترى لأول مرة سطح أَظْفار يَدَيْها مصبوغة بلون بُنِّي قاتم يشبه -كورونا، ولا يشبه بَازُوكَا ذات اللون الوَرْدِي الفاتح، الذي اعتادت أمها أن تَصْبغ طَلَاءه على أظفارها. هكذا هو العالم لا شيء فيه يتغير، من بَازُوكَا إلى -كُورُونا.تفتح يديها بعد ضمة قصيرة
-أمَّة واحدة.
ترى بَازُوكَا و -كُورُونا يتماثلان، رغم التعارض القائم بينهما. تعيد الفَرْك بسرعة، عدد الفُقاعات يتكاثر. الصغيرة تكبر والكبيرة تختفي. تتوقف عن الفرك، ترى صورة أكبر فُقاعة. في زمن -كُورونا أصبح عندها مُتَّسَعٌ من الوقت، لرؤية الصورة
-أمة واحدة.
قبل استنساخها قطعة سردية لتملئ فجوات التاريخ المَنْسِي، تذكرت طفولتها. رؤية صورة البالونات، تهمس:
– أمة واحدة.
البالونات -كورونا على المرآة. صاحبها لا يسمع همسها. لا يرى أكبر بالونة. منشغل عن أحداث -كورونا، يبحث عن اليقين. يجيب عن رسالة إلكترونية بعثتها له بالأمس، فيها استفسار عن العلاقات الرِّضَائِية و الزِّنَائِية:
– معنى الزاني والزَّانِية في القرآن الكريم لا يعني العلاقات الرّضائية بين الراشدين، معناه شيء آخر. ليس هذا الوقت وقت كشفه. الجَلْد ينبغي أن يكون عقوبة لِجُرم عظيم، ولا يمكن أن نُسمي العلاقات الرّضَائِيَة بين الراشدين جُرْما عظيما.
يبحث عن اليَقِين. يخاف من الوقوع في -كورونا ككل الناس، لأنه يريد أن يموت بغير- كورونا، أن يموت موتا هادئا. ترى صورتها في المرآة تهمس:
– كُورُونا لم تعد مُزْحَة.
أمام مِرآة تحتها مغسلة، اعتادت أن تفتح الحنفية، تمسك بقارورة الصابون، تضغط بِسَبَّابَتِها اليُمنى، يخرج السائل معطرا بعطرِ اللّيْمُون، تتعرض له بكف يدها اليسرى، تفركه على كَفِّ يدها اليمنى، تبدو فقاعات صغيرة، يزداد عددها ويكبر حجمها مع الفَرْكِ. في زمن -كورونا لا تكف عن المشاهدة تشاهد صورة البالونات إلى حد الدهشة، لمعرفة إلى أيِّ زمن تمتد هذه الفقاعات. زمن كانت فيه صبية تفكر في رَتْقِ حَبّات المطر وهي تراها تنْتَثِرُ فوق الأرض، ترغب أن تُشَكِّلَ منها عقدا من الجواهر، تحاذر حتى لا تصيب خطوها الحبات و تَتَسَرَّب سائلا ويبتلعها التراب.
تبحث عن حبات المطرالتي تراقص غلاف الأرض وكأنها في بداية غَزَلٍ لعلاقة رضائية مع الأرض تثمر العنب والتين والرمان..، تتعجبت هزت ورَبَتْ. تبحث عن – وصفة تُرُود البَامْيَة، أُكْلة سيدها “حُسَيْن” المفضلة. تخبر صاحبته أنها تعلمت طبخ -ترود البامية، وأنها ستقدمها لهما في أول زيارتهما من مدينة- هوستن – الى الرباط . ديمة قبلت الأرض، ابتلعها التُراب حين هَطَلَتْ مطرا غزيرا .